فطنة دول الحصار أنقذت الجسد العربي

نوفمبر 16, 2020 خليفة النعيمي 0 تعليقات


 تنبهت دول الرباعي العربي منذ وقت مبكر لخطورة لعبة “التجنيس” التي تقوم بها قطر على أمن واستقرار المنطقة من جانب، وحقوق وفرص مواطنيها الأصليين والتركيبة الديموغرافية بها من جانب آخر، ثم ضرب مفاهيم المواطنة والوطنية والولاء والانتماء بدول المنطقة من جانب ثالث وعلى الرغم من أن التجنيس ليس حكرا على قطر، وليست بدعة منها لكن الإشكالية أن الدوحة لم تكتفِ بتجنيس الرياضيين أو المتميزين في مجال ما فقط بل باتت بوابة لتجنيس المعارضين نكاية في دولهم والإرهابيين لتوفير مأوى لهم يكون منطلقا لهم للإضرار ببلادهم.

كل ذلك تنبهت له الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، منذ عام 2013، لذلك تم التوقيع على اتفاقية الرياض في 23 نوفمبر 2013 التي أقر فيها أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بالالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر أو غير مباشر وعدم إيواء أو تجنيس أي من مواطني دول المجلس ممن لهم نشاط يتعارض مع أنظمة دولته إلا في حال موافقة دولته، وعدم دعم الإخوان أو أي من المنظمات أو الأفراد الذين يهددون أمن واستقرار دول مجلس التعاون عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي.

ونتيجة عدم التزام الدوحة بالاتفاق حدثت أزمة قطر الأولى في 5 مارس 2014 بإعلان السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من الدوحة، وانتهت الأزمة في الـ16 من نوفمبر2014، بتوقيعها اتفاقاً جديداً في اليوم نفسه، وتعهدها بالالتزام بكلا الاتفاقين (اتفاق الرياض 23 نوفمبر2013 واتفاق الرياض التكميلي 16 نوفمبر 2014) أيضا كان عدم التزام قطر بكلا الاتفاقين أحد أبرز أسباب أزمتها الثانية بإعلان الدول الداعية لمكافحة الإرهاب مقاطعتها الدوحة منذ ٥ يونيو 2017 لدعمها الإرهاب.

وتتمثل أبرز مخاطر ملف التجنيس في تغيير التركيبة الديمغرافية في قطر، بما يشكله ذلك من خطر كبير على عادات وقيم وتقاليد وأخلاقيات المجتمع، وتضاؤل فرص ترقي واكتشاف مواهب المواطنين القطريين وتنميتها في ظل تكريس استقطاب المواهب من الخارج وتجنيسها والاعتماد عليها، كما يخلق هذا طبقة جديدة من المجنسين تدين لتنظيم الحمدين بالولاء يمكن توظيفها لمصالح النظام على حساب القطريين أنفسهم، وتدمير مفهوم المواطنة أحد أبرز أسس وقواعد الدولة الحديثة ونشر ثقافة بيع وشراء الولاء والانتماء بالمال بما يشكل ذلك خطورة على الهوية الوطنية.

ويدمر هذا الملف مفهوم المواطنة بتوفيره بيئة خصبة لنشر فكرة الخلافة وهي الفكرة التي يدعو لها تنظيم الإخوان الإرهابي المدعوم من الدوحة، بما يعني أن قطر نجحت بالمال في تحقيق ما لم تنجح فيه بتحالفها مع التنظيم، خصوصا بعد كشف زيف أهداف ما يسمى “الربيع العربي ودور تنظيم الحمدين فيه”.

ولقطر تاريخ أسود في ملف التجنيس، على أكثر من صعيد، ففي مجال الرياضة، وضعت الدوحة مفهوم المنتخب الوطني نفسه موضع تساؤل وبدأ الكثيرون يتساءلون عن الجدوى من إقامة بطولات بين الدول إن كانت هناك دول تستطيع بأموالها تشكيل منتخب من المجنسين من دول العالم وسبق أن أثار منتخب قطر لكرة اليد ذو الـ11 جنسية من 4 قارات جدلا واسعا خلال كأس العالم لكرة اليد 2015 التي استضافتها الدوحة، وحل فيها في المركز الثاني آنذاك وصفت صحيفة “لوموند” الفرنسية منتخب الدوحة بأنه فيلق من مرتزقة يرتدون قمصانا باللونين الأبيض والعنابي ومرسوما عليها عبارة قطر.

وعلى صعيد آخر، قامت الدوحة خلال السنوات الماضية بمنح جنسيتها لعناصر إرهابية لجأت للدوحة واستخدمتهم للتخطيط وتنفيذ عمليات في الدول العربية ولعل الوجود القوي لقيادات التنظيم الإخواني داخل الدوحة وحصول بعضهم على الجنسية وعلى رأسهم المصري الأصل يوسف القرضاوي الذي تستخدمه الدوحة للهجوم على الدول العربية كشف عن لعبة الدوحة وتنظيم “الحمدين” للإضرار بالمنطقة العربية، أيضا ارتبط اسم الإرهابي عبدالعزيز المقرن بقطر بعد أن كشف وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي السابق عادل الجبير عن منح الدوحة جواز سفر قطريا للمقرن مكنه من دخول أراضي السعودية حيث خطط لتنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية وتزعم المقرن تنظيم القاعدة في السعودية لمدة ثلاثة أشهر كانت الأكثر دموية في تاريخها، أيضا ليس ببعيد عن هذا الجانب ما يقوم به العاملون في قناة الجزيرة وإعلام قطر ضد دولهم تحت إغراء المال أو الانتماء الأيديولوجي أو الجنسية.

وفي الوقت الذي يبيع فيه تنظيم الحمدين جنسية قطر لكل من يقدم خدماته للتنظيم فإنه ينتزعها من أبناء البلد الأصليين وتمارس السلطات القطرية انتهاكات ممنهجة ضد أبناء قبيلة “الغفران” منذ عام 1996 وحتى الوقت الحاضر، تضمنت تلك الممارسات التهجير وإسقاط الجنسية والاعتقال والتعذيب وطرد أطفالهم من المدارس وحرمانهم من التعليم ومنعهم من ممارسة حقوقهم المدنية والترحيل القسري وتهجير السكان على نطاق واسع، ما يعد جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7 من نظام روما الأساسي وانتهاك اتفاقية حقوق الطفل وقبيلة الغفران إحدى الفروع الرئيسية لعشيرة “آل مرة” التي تشكل -بحسب أحدث الإحصاءات- ما بين 50% و60% من الشعب القطري وكانت عشيرة “آل مرة” قد رفضت انقلاب حمد أمير قطر السابق ووالد الأمير الحالي على أبيه للاستيلاء على الحكم عام 1995 ما عرض أفراد ووجهاء القبيلة للتنكيل وسحب الجنسيات وإبعادهم من البلاد إلى دول أخرى مثل السعودية، حيث ينتشر أفراد قبيلة الغفران في المناطق الواقعة على طول حدود البلدين.

ومرارا خلال الفترة الماضية، طالب أبناء القبيلة المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة بمساعدتهم في تلبية عدة مطالب عاجلة، وفي مقدمتها استعادة الجنسية وتصحيح أوضاع أبناء قبيلة الغفران وإعادة المطرودين إلى عملهم ولمّ شمل العائلات واسترجاع الحقوق والمزايا بأثر رجعي، وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية قد كشفت في “التقرير العالمي 2020 ” الانتهكات التي تعرض لها أبناء قبيلة الغفران مازالت مستمرة وأن قطر لم تلتزم بتصحيح وضعهم، وأشار التقرير إلى أن “لا يمكن لقطر أن تدّعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان بينما لا تحترم معاناة المجتمعات، كتلك التي سحبت جنسيتها”.

0 Comments: